الطب النفسي والرقية الشرعية

*الطب النفسي والرقية الشرعية..

إننا نعيش في عصر تغيرت فيه ظروف المجتمعات ويواجه الإنسان فيه العديد من التحديات التي لم يكن يعرفها من قبل فنحن نعيش في ظل تغيرات تكنولوجية كان لها أثر بالغ في حياتنا وهي مع كل ما فيها من إضافة لنا إلا أنها تسببت في العديد من الضغوط النفسية التي كان لها أثراً سلبياً علينا،

 وجعلت منا أفراداً ومجتمعات عرضة للألم النفسي وهذا ما يجعلنا نفكر بأهمية التعاون والترابط بين متخصصي الرقية الشرعية والعاملين في المجال النفسي سواء كانوا أطباء نفسيين أو مرشدين أو معالجين فالواجب على الرقاة الشرعيين و العاملين في المجال النفسي التعاون و التكاتف فيما بينهم لنفع الناس ومساعدتهم والوقوف معهم.

و لكن مع كامل الآسف أن العاملين في المجالين في شقاق وتنافر ، و واقعٌ لا مكان فيه إلا للنقد والتجريح و إذكاء نار العداوة والخصومة ولا يوجد اتزان في التعامل بين الطرفين إلا ما ندر .

‏و هذا يدل على جهل وقلة وعي وضعف إدراك

 و كثيراً ما كتبت أنني مُذ أن دخلت مجال الرقية الشرعية رأيتُ الكثير من الحالات التي تحتاج إلى طبيب نفسي لحل مشكلتها بعد أن تاهت بين  الرقاة  وتشخيصهم المتسرع (في الغالب بلا دليل) ولم تجد هذه الحالات ضالتها.  ‏وفي المقابل رأيتُ أيضا من أضاع سنوات من عمره وأجهد نفسه على أبواب  الأطباء النفسيين  ولم يترك باباً إلا طرقه، لكن جهده ذهب هباء، و لم يجد ضالته وكان بحاجة للرقية الشرعية ففيها شفاؤه بأمر الله.

و ‏لذا أكرر أننا بحاجة لهذا التعاون و التضافر وفتح أبواب التواصل بين الطرفين (الرقاة الشرعيين والأطباء النفسيين).

وإن قال قائل : أن القرآن فيه الشفاء من الأمراض الروحية والنفسية والجسدية فلسنا بحاجة للطب النفسي..

 قلت بأنه ليس لدي أدنى شك أن القرآن العظيم  شفاءٌ من جميع الأمراض والأسقام وهذا أمرٌ قطعي نص عليه كلام ربنا تبارك وتعالى كما في سورة الإسراء:  ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا﴾

و “مِن” هُنا لبيان “الجنس” وليست “للتبعيض” فالقرآن كله شفاء، و هذا لا يتعارض أبداً مع ما ذكرناه من  الاستفادة من الطب النفسي وغيره من العلوم ،

 ‏فمن خلال التجربة رأيت أن الذي أُبتلي  بتوهم المرض مهما قرأتَ عليه القرآن لا يستجيب ولا يُشفى، بل فالغالب تزداد حالته سوء،  ليس لأن القرآن ليس شافياً، بل لأن المشكلة فيه،

 وكما أن الرقاة أجمعوا على وجوب استمرار المريض على ما يصرف له من الطبيب علاجاً لمشكلته الحسية والجسدية حتى وإن كان سبب ذلك المرض أذىً روحياً في الأساس،

كذلك لا يمنع أن يُقرأ القرآن عليه و يُطبق برامج الرقية و في الوقت نفسه يزور الطبيب النفسي و يستفيد منه.

 ‏ولعلي أكون أكثر وضوحاً وأقول أن هذه الاعتراضات ورفض التعاون سببه أن الحال أصبح أشبه ما يكون بالتنافس غير الشريف ،

 وبات الهدف ليس نفع الناس وتفريج كربتهم، بل المصلحة الشخصية البحتة تحديداً “المصلحة المادية” وكأننا في سوق بيع وشراء

 ‏وكأن هؤلاء سيأكلون رزق هؤلاء وهذا جهل وضعف إيمان وعدم فهم،

فما كُتب لك لن يحصل عليه غيرك،

كما أن الغاية أعظم وأشرف وأنبل من أن تنحصر في نطاق المصالح الشخصية وغيرها،

و أكثر ما يُفرحني في مجال الرقية هو أن أرى الراقي متأصّل علمياً، فقيهاً حافظاً، حاذقا نبيهاً، قارئاً مُطلعاً، ‏يتّبع السنة في رقيته ، ييسر ولا يعسّر ويبشّر ولا يُنفر. يقرأ في الطب النفسي والطب البديل ويثقّف نفسه ويتعاون مع الأطباء وينفع مرضاه ويخرجهم بعون الله من دوامة وظلمة الوهم والوهن إلى نور العافية و الطمأنينة وهذا ما نحتاجه فعلاً،

وهنيئاً لمن اتصف بهذا .

فالراقي الملتزم بالشرع والمنهج النبوي على خيرٍ عظيم ويسد ثغراً عظيماً وهو كما قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله: مجاهد، بل إنه من أعظم الجهاد.

 والحديث في هذا الأمر يطول، و لكن الخلاصة أننا بحاجة إلى إعادة النظر والتأمل قبل كل خطوة ومراجعة النفس ومحاسبتها ومراقبة الله في السر والعلن.

‏و رسائلي قبل الختم :

 الأولى : لإخوتي الرقاة الفضلاء النبلاء اعلموا أن الحاجة للطب النفسي عند بعض المرضى مُلحّة فلا تغفلوا عن هذا ولا تهملوه ولا تأخذكم العزة بالإثم ولا يدفعكم سوء بعض الأطباء للخصومة ورفض الطب النفسي.

‏و الثانية : لإخوتي الأطباء الأكارم الشرفاء  ‏اعينوا إخوانكم الرقاة وتعاونوا معهم وانصحوا لهم وإياكم والخصومة ولا تخلطوا بين الصالح والفاسد ولا تلتفتوا لجهلة الرقاة والاستغلاليين.

والرسالة الأخيرة لكل من يشعر بأنه في حاجة للرقية الشرعية ..

احرص على رقية نفسك بنفسك فهي أنفع و أنجع بأمر الله و هي السنة ، فإن لم تستطع فاستعن بالله ثم بالراقي الشرعي الثقة من ييسر و لا يُعسر و يحرص على منفعتك و نصحك و لا يظهر في حديثه و لا فعله الأنا و الأنانية ، فمثل هذا سيوجهك لما فيه منفعتك و مصلحتك ، و راجع الطبيب النفسي إن لم تجد أثراً واضحاً بعد الإستمرار بالرقية الشرعية ، و لا تلتفت لمن يحاول تهميش أحد المجالين و القدح به

 وفق الله الجميع لما يحبه و يرضاه و جعلنا الله و إياكم مباركين أينما كنا و سددنا و هدانا و سخّرنا لنفع الناس و تفريج كرباتهم .

بقلم: يزيد المظهور السرحاني

“حصنوا بيوتكم وبالأسباب المشروعة”

ماهو التحصين؟
وكيف يكون؟
ومن ماذا نحصن بيوتنا وانفسنا؟ ولماذا ؟

نعلم جميعاً أن
الشيطان منذ الأزل و لم يزل قد اتخذ الإنسان عدواً و هذا بنص الكتاب حيث يقول ربنا تبارك و تعالى

﴿إِنَّ الشَّيطانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذوهُ عَدُوًّا .. )

و قد أمرنا سبحانه باتخاذه عدواً كما اتخذنا أعداء و هذا يستلزم أخذ الحيطة و الحذر و إعداد العدة لذلك ،
و العدو كما هو معلوم لا يألوا جهدا في أذى عدوه ،
و لذا هو لن يدخل بيتاً إلا أفسده وفرَّق أهله و جلب معه الشحناء و البغضاء و البلاء و الشقاء ،
لهذا وجب علينا أن نكون منه على حذر و أن نغلق أمامه كل باب و نقطع له كل سبيل و طريق ،
و أول ما يُحرص عليه بعد تحصين الإنسان لنفسه و الاستعانة بالله ..
تحصين البيوت منه و مِن أتباعه و جنوده و أعوانه و هذا إنما يكون بالتخلية و التحلية
كيف؟
بأن تخلي بيتك من كل ما يجذبهم إليه و يسهّل دخولهم فيه
و تُحليه بما يطردهم منه مما لا يُحبونه و يبغضونه
و قد حرصت على جمع ما تيسر من الأسباب الواردة في الأحاديث الصحيحة الصريحة و التي جاءت بآداب دخول المنزل و المحافظة عليه و اقتصرت عليها و بالله التوفيق ..
و قد جاءت كالآتي :
أولاً: البسملة عند الدخول و عند الأكل
لحديث جابر أن النبي ﷺ قال :
‎إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ : لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاء(١)

ثانياً : تطهير البيت من التصاوير و التماثيل
لحديث أبي طلحة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول :
” لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ “(٢)

ثالثاً : تطهير البيت من صوت الشيطان الغناء و المعازف “الموسيقى”
لقوله تعالى :
﴿وَاستَفزِز مَنِ استَطَعتَ مِنهُم بِصَوتِكَ﴾ (٥)
قال مجاهد : صوت الشيطان الغناء

رابعاً : عدم تربية الكلاب في البيوت
ففي الحديث الصحيح:
“لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ..”(٤)
و لا يُستثنى من هذا إلا كلب الحراسة كما نص العلماء.

خامساً : السلام على من في البيت
لقوله تعالى :
﴿ فَإِذا دَخَلتُم بُيوتًا فَسَلِّموا عَلى أَنفُسِكُم تَحِيَّةً مِن عِندِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً ﴾(٥)

سادساً : استعمال السواك و البدء به قبل دخول المنزل
لحديث عائشة رضي الله عنها عندما سؤلت بأي شيء كان يبدأ رسول الله ﷺ حينما يدخل بيته فقالت : يبدأ بالسواك .(٦)

سابعاً : الإكثار من قراءة القران و خاصة سورة البقرة
لحديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان (٧)

ثامناً : الإكثار من نوافل الصلاة
ففي الحديث
” اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا “(٨)

تاسعاً: الإكثار من الأذكار و الأوراد الشرعية

لحديث أَبِي مُوسَى ، أن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :

” مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ “(٩)

بهذا نكون قد جمعنا ما أمكننا جمعه من الأسباب الشرعية ،
فمن وُفِّق إلى تطبيق ما ذُكر كله أو ما استطاع منه يكون بذلك حصّن مسكنه و بيته من الشيطان و جنده ، و بهذا يُكتفى شره و يُنفى ضرره،

أعاذنا الله و إياكم من الشيطان و شرّه و جنده و أعوانه من الإنس و الجن و جعلنا و إياكم مباركين أينما كُنا.

بقلم :
يزيد السرحاني “أبو عاصم”
Date 7 نوفمبر، 2021

المراجع
(١) صحيح مسلم ٢٠١٨
(٢) صحيح البخاري ٣٢٢٥
(٣) سورة الإسراء ٦٤
(٤) صحيح البخاري ٣٢٢٥
(٥) سورة النور “٦١”
( ٦) سنن ابن ماجة ٢٩٠ و مسند الإمام أحمد ٢٥٩٩٧
(٧) صحيح مسلم ٧٨٠
(٨) صحيح البخاري ٤٣٢
(٩)صحيح مسلم ٧٧٩

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Refund Reason