إنها تلك الرحلة الأكثر من مميزة لدى البعض، التي ترافقنا سنوات طوال من حيواتنا، ترفعنا بين الأمم وتزيد من معارفنا، تلك المنارة التي لا تنطفئ والنبع الذي لا ينضب، إنه العلم والتعلم.
عبر السنوات ومنذ نعومة أظفارنا نبدأ عملية التعلم من خبرات مكتسبة ومشاعر ومعلومات الى أن نبدأ أولى خطوات الدراسة في مرحلة رياض الأطفال إلى “اللاّنهاية”.
تخيل أنك اليوم تطل من شرفة منزلك على مركز لرياض الأطفال، الآباء والأمهات يركنون عرباتهم ويمسكون أيدي أطفالهم نحو باب المركز … ماذا ترى؟!
نعم، منهم الضاحك الراكض إلى معلمته ومنهم من يبكي لا يريد الدخول ويفضل العودة إلى منزله يحتسي كوب حليب دافئ وينعم بالطمأنينة بين ألعابه، كذلك الأمر بالنسبة لمن هم أكبر وأكثر تقدماً في المراحل المدرسية منهم من يفضلون المدرسة رغم عيوبها ومنهم من يرفضها لعيوبها.
لكن دورنا اليوم هو أن نساعدهم ونجعل من المدرسة مكاناً مُرحِباً أكثر، أن نجعلها محببة وأكثر ملائمة للنقلة العلمية والتطور الذي نعايشه في عوالمنا وما نراه كل يوم على المواقع والشاشات المرئية وما نسمعه من طرق واستراتيجيات للتعلم وعن آليات إشراك التلميذ في العملية الدراسية وأنه محور الحصة الدرسية ومنها الكثير لكن ماهي؟ ما أهميتها؟ وكيف لنا أن نستخدمها في حصصنا ومع طلابنا؟
أولاً لك منا شكر كبير على محاولاتك هذه لمساعدة تلاميذك والسعي لتحصيل الأفضل ومواكبة التطورات.
ثانياً أنت أمام أول خطوة وهي القراءة والبحث.
لذا لنبدأ معا بالتعرف على ماهية استراتيجيات التعلم التفاعلي.

استراتيجيات التعلم التفاعلي:
تعتبر استراتيجيات التعلم التفاعلي من أهم الوسائل المستخدمة في العملية التعليمية وذلك لما تقدمه من تشجيع للتلاميذ والمعلمين أولاً، وما تقدمه من فرق ملحوظ في أداء كلا الطرفين خلال مدة زمنية قصيرة نوعاً ما (يجب ان نلاحظ الفروق بين أنماط شخصيات المتعلمين في الصف الواحد أيضاً).
هي استراتيجيات تسهل تقدم المعلومة للتلاميذ بشكل يضمن مشاركة جميعهم وتعتمد الأسلوب الاستنتاجي والتحليلي غالباً، كما أنها تضيف مهارات حياتية للتلاميذ والأساتذة تساعدهم في أمورهم الحياتية وعلاقاتهم بمحيطهم وتجعل المسؤولية تشاركية على كلا الطرفين المعلم والمتعلم.
لماذا نستخدم استراتيجيات التعلم التفاعلي؟

• تعد هذه الاستراتيجيات عنصراً مهماً في مشاركة التلاميذ في العملية التعليمية وسبباً أساسياً فيها، كما أنها تتيح الفرصة للتلميذ في ألا يكون متلقياً سلبياً فقط وإنما أن يكون فعالاً وأن يستخدم ربما أغلب حواسه في أحد التمارين أو إحدى المناقشات.
• تساعد أيضاً على بناء بيئة إيجابية بين المعلم والتلاميذ حيث يكون للجميع دور وكل تلميذ لديه ما يميزه فيستطيع أن يستخدمه دون تفرقة بين مهارات أحدهم عن الآخر.
• توفر الوقت غالباً والجهد لكلا الطرفين، تساعدهم على بناء علاقات ضمن مجموعاتهم وتعلم مهارات كالاختيار وتحمل المسؤولية والشعور بالإنجاز كفريق واحد.

14 استراتيجية للتعلم التفاعلي:
أولاً: الخرائط الذهنية:
تعتمد هذه الاستراتيجية على الرسم كالخرائط، حيث تبدأ المجموعات بوضع أو كتابة العنوان الرئيسي المراد تحليله ومنها تبدأ الأفرع الأكثر شمولية ومن كل فكرة أو فرع ينتج أفكار أدق.
مثال: لدينا فكرة رئيسية أهمية التعلم، ينتج عنها أفكار على الأصعدة السياسية والمالية والفكرية …الخ، وينتج عن كل صعيد أفكاراً أكثر دقة وتحديد وهكذا.
ثانياً: العصف الذهني
تختلف هذه الاستراتيجية عن سابقتها بأنها تعتمد المشاركة اللفظية من التلاميذ والكتابة على السبورة أو على أوراق لوحية من قبل المعلم، يقوم من خلالها المعلم بكتابة كلمة رئيسية ويطلب من التلاميذ إعطاءه كلمات تتعلق بهذه الكلمة، كل ما قد يخطر بأذهانهم عنها، دون ابداء أي تعليق أو تعبير من المعلم إلى أن يحصل على إجابات كافية، يقوم بأخذ تعريف أو صياغة للمعلومة التي يرد ايصالها لهم من إجاباتهم.
ثالثاً: الحوار والمناقشة (الأسئلة)
كما نعرف جميعاً أن للأسئلة نوعان الأسئلة المغلقة والتي تكون إجابتها ضمن ثلاث احتمالات (نعم، لا، لا أعرف)، أما الأسئلة المفتوحة فهي التي تفتح مجالات للمناقشة وإبداء الرأي من قبل التلاميذ للأسئلة المطروحة عليهم من المعلم، لكن في هذه الاستراتيجية علينا الانتباه لأمرين أولهما أن تكون الأسئلة محددة لكي تأخذنا باتجاه المعلومة وثانيهما أن يكون المعلم قادراً على ضبط النقاش بحيث لا يخرج التلاميذ عن الهدف المراد منه.
رابعاً: العروض التقديمية
تعتبر هذه الاستراتيجية من الاستراتيجيات الأكثر جذبا للانتباه والمتعة وهي العروض المرئية أو المسموعة من صور وفيديو وتسجيلات صوتية، في حال تم استخدام هذه الاستراتيجية على المعلم الانتباه أن تكون قصيرة بمدة لا تتجاوز 2 دقيقة وأن يساعد في الترجمة إن كانت بلغة مختلفة عن لغة التلاميذ أو إن كانت بنفس لغتهم ربما يواجه البعض صعوبات في القراءة أو السمع، أيضا عليه أن ينتبه لطرح أسئلة بعد العرض ليستطيع استخراج المعلومة من التلاميذ والحفاظ على تركيزهم.
خامساً: العمل في مجموعات
هي من الاستراتيجيات الأساسية والأكثر تميزاً، إذ تستخدم كثيراً وفي أغلب الاستراتيجيات الأخرى نحتاجها وذلك لما تمنحه من مهارات إضافية للتلاميذ منها الالتزام، احترام الاخرين وآرائهم، تعلم المشاركة، التواصل الصحيح والفعال بين المشاركين في المجموعة.
تقوم على آليات مختلفة وهي توزيع التلاميذ من خلال العد أو تسميات مختلفة تطلق على المجموعات في التقسيم، ويكون الحد الأدنى لعدد المجموعة 4 أشخاص وأكثرها 8 أشخاص.
سادساً: سرد القصص
غالباً ما تستخدم هذه الاستراتيجية في المواد الجامدة والتي تعتمد على السرد كالقصص التاريخية، قد تكون ممتعة للتلاميذ إلا أنها تحتاج إلى مهارات تكتسب بالتدريب كنبرة الصوت والإلقاء وسرد الاحداث.
سابعاً: دراسة الحالة
هذه الاستراتيجية تحتاج الى تفكير تحليلي وقدرة على الإلمام بالتفاصيل، حيث يقدم المعلم فيها حالة دراسية تكاد تكون أشبه بقصة قصيرة ويدرج تحتها عدد من الأسئلة وعلى كل مجموعة أن تقدم إجاباتها ورأيها في الحالة، قد تختلف الحالات الدراسية المقدمة لكل مجموعة وذلك بحسب المادة المعطاة.
ثامناً: حل المشكلات
هي إحدى أهم الاستراتيجيات على الصعيد الشخصي للمعلم والتلاميذ، كثيراً ما تجدنا حائرين في مشكلاتنا البسيطة أو حتى المعقدة منها وهذه الاستراتيجية هي ما نحتاجه، تبدأ كالشجرة بالجذر والذي هو أصل المشكلة وسببها الرئيسي، ثم نصعد لنرى الساق وهو الحلول المتاحة لدينا وأيها أكثر ملائمة للواقع والظرف الذي نحن فيه، وأخيراً تنتهي بالثمار وهي الحل النهائي وتطبيقه على أرض الواقع.
تاسعاً: المحاضرة
تعتبر استراتيجية تقليدية تستخدم غالباً في الجامعات وللأعداد الكبيرة وتعتبر هذه الاستراتيجية موفرة للوقت في حالات الأعداد الكبيرة، ولكنها مجهدة جداً للمعلم أو المحاضر.
عاشراً: مسرح العرائس (الدمى)
يستخدم مسرح العرائس للتلاميذ ذوي الاعمار الصغيرة لما فيه من عرائس تجذب الانتباه، وربما يستخدم للأعمار الكبيرة، هذه الاستراتيجية تحتاج تقنيات صوتية وحركية كما ان صنع هذه الدمى يكون أيضاً بتقنية عالية وقد يكون بعضها ذو تقنية أبسط بحسب الاستخدام والحاجة.
إحدى عشر: المسرح التفاعلي
استراتيجية متميزة لها تدريبات خاصة وتقنيات عالية مستخدمة، ممتعة جداً لكن على مستوى المدارس نستطيع الاستعاضة عنها بالاستراتيجية التالية (لعب الأدوار).
اثنا عشر: لعب الأدوار
من إحدى الاستراتيجيات الممتعة والتي تساعد على إبراز مواهب التلاميذ على بساطتها، تحفز التفكير لديهم، قد يقسم التلاميذ الى مجموعات فيها او يتطوع بعض منهم، للمعلم فيها حرية الاختيار إما أن يجعل التلاميذ يبتدعون نص ويمثلونه أمام رفاقهم، أو أن يعطيهم نصاً مدروساً ليقوموا بالأدوار، في كلا الحالتين هي استراتيجية ممتعة تضيف جواً من المزاج والضحك والتسلية وتحتاج وقتا أكثر من سابقاتها.
ثلاثة عشر: التعلم باللعب
الأمتع على الاطلاق، لما تجلبه من متعة ومشاركة، يستخدم فيها معظم الحواس والبدن حسب النشاط المعطى، تقوم على مبدأ الالتزام بقواعد اللعبة ووقتها والالتزام بالعمل كفريق وتحمل المسؤولية وعدم اللوم والفخر أو الغبطة لنجاحات فريقنا أو الآخرين، هذه الاستراتيجية تأخذ وقتا أطول ويحتاج المعلم أن يضبط الوقت بشكل واضخ وأن يضبط اداء التلاميذ أيضا.
أربعة عشر: المناظرة
استراتيجية ذات تقنية عالية يقسم فيها التلاميذ إلى مجموعات ثلاث فريقين أحدهما يعارض الفكرة المطروحة والأخر يؤيدها والفريق الثالث هو التحكيم والذي يبت أي الفريقين قد أبلى حسناً، تحتاج هذه الاستراتيجية إلى منطق عالي ودهاء فذ حيث ينطلق الفريق الأول من الجملة التي يتم النقاش عليها ليرد الآخر من حيث انتهى الطرف الأول وكل بدوره.

إذاً لدينا العديد من الاستراتيجيات قد يكون منها ما هو مناسب ومنها العكس، يعتمد ذلك على البيئة، الصف، التلاميذ، الأدوات المتوافرة والمعلم، ليس كلها يحتاج الى أدوات مكلفة وتقنيات متخصصة قد تكون بالأدوات المتوافرة والبسيطة.
بالتجريب نستطيع اكتشاف ما يناسبنا وتلاميذنا، ولكن علينا الانتباه ألا نكرر الأنشطة حتى لا يمل التلاميذ وعلينا بالتنويع بحسب أنماطهم كمتعلمين.
أعرف أنه يراودكم كمعلمين الآن أسئلة ومخاوف وربما يكون إنكاراً لهذه الاستراتيجيات، لكن علينا أن نعلم (ليس من المرة الأولى ستكون الأمور رائعة ) وأن ما خططنا له في خيالنا سيتحقق من أول مرة لكن علينا بالتجريب، التجريب والتجريب، وأن بعضا من التلاميذ سيكون هدفهم التخريب للمتعة وأننا كمعلمين علينا أن نستخدم أساليب تساعدنا في إدارة صفوفنا وضبط سلوك تلاميذنا وهذا ما سنجده في مقالتنا التالية.

بقلم نور بريمو

اقرأ أيضاً عن الفروق بين أنماط شخصيات المتعلمين في الصف الواحد